التكلفة الاقتصادية لجريمة الابتزاز الإلكتروني – الابتزاز الإلكتروني جريمة اقتصادية
extortion is an economic crime – The economic cost of e-extortion
معلوم أن لكل جريمة شق أو جانب اقتصادي خاص بها ، تؤثر على الأفراد ، أصحاب الأعمال ، وعلى الدولة ككل ، فقد تبذل الدول جهود كبيرة للقضاء على جريمة ، ولكن ما هي التكلفة ؟ . وهذا ما تنبه له مؤخراً أغلب الباحثين في مجال الاقتصاد والقانون في العالم ، وهو أن التكلفة الاقتصادية للجريمة ، قد تؤثر على خط سير عمل الدولة تجاه المرافق والخدمات العامة للجمهور ، ورغم أن المصادر العربية ، بالنسبة لاقتصاديات الجريمة هي قليلة جداً ، إلا أنها ليست منعدمة ، فهناك بعض من رجالات الاقتصاد العرب قد اهتموا بتلك المسألة ، وتحدثوا عنها ، بينما المصادر الأجنية قد تناولت تلك المسألة على نطاق أوسع ، ومنهم من أطلق عليها لفظ ” التكلفة غير الشرعية “.
فقد قامت جامعة أجنية بعمل دراسة ، لمحاولة تحديد مقدار ما يسمى ب ” تكلفة الجريمة “ ، فأوضحت تلك الدراسة ، أنه من الممكن فهم القيمة الاقتصادية للنشاط الإجرامي المنظم من خلال وضع معايير دقيقة .
وقاموا أولاً بتعريف تكلفة الجريمة ، حيث قاموا بتقسيمها لثلات فئات رئيسية ،
أولاً : المعايير الاقتصادية المتعلقة بمنع الجريمة : وهي أموال الحماية ، أي الأموال التي تنفقها من أجل الحماية ، لمنع وتجنب الجريمة .
ثانياً : تكاليف العمل الإجرامي ، حال حدوثه : ما قد تنفقه من أجل إصلاح ما فسد .
ثالثاً : التكاليف المتعلقة بالاستجابة للجريمة : كتكاليف ، ( الشرطة والقضاة والمحامين ونظام السجون والخدمات الاجتماعية ) .
وإذا قمنا بتطبيق تلك المعايير ، على جريمة مثل جريمة الابتزاز الالكتروني ، وهي الجريمة التي احتلت مراكز عالمية متقدمة ، كجرائم المخدرات ، والسلاح ، والإتجار بالبشر ، لذا من الضروري ، محاولة فهم وتوقع الأضرار الاقتصادية لتلك الجريمة ، سواء بالنسبة للفرد نفسه ، من تكاليف حماية لنظامه الالكتروني لتجنب الوقوع في تلك الجرائم ، وما قد ينفقه من أجل العلاج النفسي ، نتيجة الضغط النفسي الذي يتعرض له خلال فترة الابتزاز ، وخوفه الشديد من الفضيحة ، أو الخسارة المادية ، في حالة رضوخه لتهديد المبتز ، وتفاديه للفضيحة بالمال ، فهناك من الحالات قد ظلت عشرات السنوات ، خاضعة للابتزاز ، حتى تم إنهاكهم واستنزافهم نفسياً ومادياً . وما يتم إنفاقه بعد التخلص من الجريمة ، من شراء أنظمة حماية جديدة ، لعدم التعرض مرة أخرى لهجوم الكتروني .
وعلى مستوى أصحاب الأعمال والمؤسسات والشركات ، ففي حين تعرضهم لتهديد وابتزاز الكتروني ، ورضوخهم له ، فهذا يكبدهم خسائر مالية كبيرة ، وأن أكثر من يتعرض لتلك الهجمات ، هم التجار ، وأصحاب الأعمال الصغيرة ، فقد يضطروا للدفع ، وذلك خوفاً على خسارة عملائهم وتشويه اسم وسمعة الشركة ، فلا أتوقع أن يدفع أصحاب تلك الأعمال المال للمبتزين ، ولن يؤثر ذلك على أرباحهم ، فهذا ما يجعل أغلب الشركات والمؤسسات الربحية الصغيرة ، تخسر وتغلق أبوابها ، وهو بدوره ما سيؤثر على اقتصاد الدولة ككل ، وعلى إنتاجيتها ، ويزيد العبء الاقتصادي للدولة مع تسريح العمال أيضاً ، فكل هذه الاقتصاديات الصغيرة ، تروس تدور في عجلة اقتصاد الدولة ككل ، فإذا انهارت يحدث خلل في اقتصاد الدولة .
فضلاً ، عن ما تنفقه الدولة من أجل القضاء على جرائم الابتزاز الإلكتروني ومكافحتها ، من سن وتشريع قوانين ، وتكلفة ما تنفقه وحدات المكافحة الاكترونية ، على برامج وأنظمة الحماية ، وفحص وتتبع سير الجريمة ، وما تنفقه على إعداد وتدريب أشخاص كي يصبحوا مؤهلين للتعامل مع مثل هذا النوع من الجرائم ، وما قد تنفقه على إعادة تأهيل للمجرمين ، وإلى غير ذلك .
وعندما استخدم الباحثون تلك الطرق المبتكرة ، وبالتركيز فقط على جريمة الابتزاز ، وجدوا أن هذا النوع من النشاط الإجرامي يمثل 2 % من الناتج المحلي لكل منطقة على حدا .
فقد قامت جرائم الابتزاز الالكتروني مؤخراً ، بضرب أكثر من 70 دولة على نطاق عالمي ، من بينهم دول عظمى ، كأمريكا ، وانجلترا ، روسيا ، فقد كان هجوم ضخم على مستشفيات ، وشركات تجارية ، ومؤسسات ، وشركات الإتصالات ، ومدارس ، باستخدام برامج تشفير للبيانات ، وطلب مبالغ مالية طائلة من أجل الحصول عليها وعدم تدميرها ، فهل تتوقع حجم الأضرار المالية التي لحقت بتلك المؤسسات ، من شراء برامج حماية ، وتعديل نظم الأمان ، وما ستتكبده من خسائر في حال دفعت الفدية أو نفذّ المبتز هجومه ؟
لذا ، ليس عبثاً أبداً ، أن تصبح لجريمة الابتزاز الإلكتروني اقتصاد عالمي موازي ، للاقتصاد المشروع ، فمجرمو الابتزاز الالكتروني قد امتهنوا تلك الجريمة ، بل أصبحت هناك عصابات الكترونية ، أنشأت تجارة غير مشروعة على الجرائم الالكترونية .
وحسب إحصائية قامت بها الولايات المتحدة في عام 2016 لمقدار حالات الابتزاز المصرفي ، فقد وقعت إثنان من البنوك التجارية في عام واحد ، ضحايا لجنايات ابتزاز .
وطبقاً لإحصائية أخرى قامت بها انجلترا عام 2018 ، فإن من فترة عام 2002 \2003 إلى 2017 ، ازداد عدد جرائم الابتزاز عمومًا ليصل إلى 8333 جريمة . وما ترتب على ذلك من تبعات اقتصادية لتلك الجرائم ، سواء بالنسبة للأفراد أو المؤسسات .
وإذا نظرنا إلى دولة مثل المملكة العربية السعودية ، وهي تتصدر المرتبة الأولى عربياً ، وخليجياً بنسبة 39 % في جرائم الابتزاز الإلكتروني ، حيث صرحت شركة برمجيات عالمية عن ضعف المملكة العربية السعودية في مواجهة الجرائم الالكترونية ، فقد سجلت المملكة زيادة كبيرة في عدد الأجهزة المصابة بالفيروسات ، وأوضحت أنها قامت بتحديد أكثر من 95 ألف برنامج مصاب بالفيروسات فقط كمعدل شهري في المملكة العربية السعودية . وأن التكلفة الاقتصادية لمواجهة هذا الأمر ، ليست بالهينة أبداً بل ستكبد المملكة خسائر مالية كبيرة .
وقد أظهرت أحدث التقارير ، لنتائج قضايا الأمن الإلكتروني أن حوالي 6.5 مليون شخص في المملكة العربية السعودية تعرضوا للجرائم الإلكترونية في عام واحد .
فإذا نظرنا للجانب الاقتصادي لهذا العدد الضخم من الجرائم ، قد لا نستطيع توقع أضراره المالية ، على الأفراد والدولة ، وذلك لضخامته ، وما ممكن أن يتكبده الأفراد من خسائر مالية ، والدولة من نفقات من أجل إيجاد حلول وعلاج لتلك الجريمة .
لذا ، فإن دراسة الجانب الاقتصادي لأي جريمة ، ومدى تأثيرها ، سواء على الأفراد ، الدولة ، والشركات التجارية ، وخاصة الجرائم المستحدثة ، هو أمر غاية من الأهمية ، وذلك لمعرفة أبعاد الجريمة من أسباب وعواقب ، وحساب الأضرار المادية لها ، بالإضافة إلى البحث في طرق خفض تكاليف الجريمة على المجتمع ، وذلك عن طريق تقدير تكاليف وفوائد برامج وسياسات العدالة الجنائية ، وتحليل الأسواق السرية للجريمة .
وبالتالي لأن الجرائم الالكترونية هي من أكثر الجرائم التي تشكل خطر كبير على مجتمعاتنا العربية ، وقد ظهرت على السطح ، في السنوات القليلة الماضية ، بل احتلت مراكز متقدمة بين معدلات الجريمة عربياً ، لذا البحث في الجانب الاقتصادي لها ، يجب ألا نهمله ، لأن الضرر الاقتصادي هو الضرر الأبرز لتلك الجرائم ، وربما يكون هو الهدف الرئيسي والأساسي لها ، فدراسته جيداً ، قد تجنبنا خسارات مالية كبيرة .
اتصل بنا الان > مكافحة الابتزاز