التمييز بين الابتزاز المادي والرشوة | Bribery versus Extortion
في أغلب الأحيان يخلط البعض بين الابتزاز المادي ، والرشوة ، فهل من الممكن أن نعتبر الابتزاز المادي رشوة ؟ ، ومتى يمكن أن نعتبره رشوة ؟ وما هو الخط الفاصل بين الابتزاز والرشوة ؟ ، لكي نجيب على كل هذه التساؤلات ، يجب أن نعرف ما هو الابتزاز ؟ وما هي الرشوة ؟
تنطوي الرشوة والابتزاز على العديد من العناصر المشتركة ، ومن السهل جداً الخلط بينهم ، فكلاهما جرائم جنائية ، وكلاهما ينطوي على مقابل مادي ، لذا سنحاول في هذا المقال طرح الاختلافات بين المصطلحين ، ومتى تتحول جريمة الرشوة إلى ابتزاز ؟
فالرشوة كما عرفها أغلب فقهاء القانون فهي “ تعد اتفاق بين شخصين ، أحدهما موظف عام ، ويعرض أحدهما على الآخر مبلغ مالي أو فائدة ما فيقبلها لأداء عمل أو الامتناع عن عمل يدخل في نطاق وظيفته ” .
وقد عرّفت اتفاقية مكافحة الفساد ، رشوة الموظفين العموميين الوطنيين في المادة (15) منها على أنها ،
تعتمد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم الأفعال التالية، عندما ترتكب عمدا :
أ) وعد موظف عمومي بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها، بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر، لكي يقوم ذلك الموظف بفعل ما أو يمتنع عن القيام بفعل ما لدى أداء واجباته الرسمية؛
ب) التماس موظف عمومي أو قبوله، بشكل مباشر أو غير مباشر، مزية غير مستحقة، سواء لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر، لكي يقوم ذلك الموظف بفعل ما أو يمتنع عن القيام بفعل ما لدى أداء واجباته الرسمية .
فالرشوة هنا تتصل بمنفعة فاسدة تؤثر على سير العمل الرسمي ، وتقوم على عدة أركان قانونية هامة ،
أولاً : يجب أن يكون شخص الجاني ، موظفاً عاماً أو ما في حكمه .
ثانياً : يجب أن يحصل الموظف على مقابل مادي أو منفعة لنفسه أو لغيره أو قبوله أو أخذه ، وعداً أو عطية أو منفعة .
ثالثاً : القصد الجنائي في جريمة الرشوة هو العمد .
أما بالنسبة لجريمة الابتزاز ، فهي تعتبر جريمة جنائية ، تتضمن الحصول على مقابل مادي أوخدمات ، وذلك من خلال إجبار الطرف الآخر ، بابتزازه أو تهديده بأمر أو سر يخشى فضحه . ويمكن ارتكاب الابتزاز سواء مع أو بدون استخدام قوة .
وغير أن هناك جرائم جنائية خطيرة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالابتزاز مثل الخطف ، والمضايقة ، والإرهاب وغيرها .
وتتضمن عناصر الابتزاز ما يلي ،
أولاً : يجب أن يتضمن الابتزاز ، عنصر التهديد وإجبار الضحية .
ثانياً : من الضروري أن يكون متضمن عنصر مادي أو منفعة أو خدمة ، يحصل عليها المبتز من الضحية .
وبشكل عام ، يمكننا التمييز بين الرشوة والابتزاز ، في حالة ، إذا عرض شخص المال على موظف عام ، لأجل تسهيل إجراء أو إعطاءه مناقصة أو ما يشبه ذلك ، هذه الجريمة تشكل رشوة ، ولكن ماذا لو طلب الموظف هو المال من المواطنين مقابل خدمات عامة من واجبه تقديمها ؟ ، فإن هذه الحالة تشكل جريمة ابتزاز .
والفرق الرئيسي بين الرشوة والابتزاز هو أنه في الرشوة ، يُقدم المتلقي في الواقع شيئاً إلى المانح ، بينما في الابتزاز لا يحصل المانح على أي شيء نتيجة تلك المعاملة . وقد يظن البعض أن الرشوة قد تكون أكثر عدالة من الابتزاز ، وذلك لأن الرشوة تشكل منفعة للطرفين ، خدمة مقابل مال ، أما في الابتزاز هناك طرف واحد فقط مستفيد وهو المبتز . وفي الواقع كلتا الجريمتين جرائم جنائية يعاقب عليها القانون ، وتستهدف تدمير المجتمع .
والفرق الآخر ، يكون في عنصر التهديد ، ففي حين أن الرشوة نادراً ما تحتوي على تهديد ، فهو عنصر أساسي ورئيسي في جريمة الابتزاز .
وأخيراً ، مرتكب الرشوة ، هو موظف عام ، يعمل في جهة حكومية ، في حين أن الابتزاز ليس شرطاً أن يتضمن أشخاصاً يعملون في جهات أو أجهزة حكومية .
ويمكننا توضيح ما طرحناه نظرياً بمثال عملي بسيط ، لكي نكون أكثر استيعاباً للفرق بين الجريمتين ، ففي حال تجاوزك للحد الأقصى للسرعة ، يتم إيقافك من قِبل ظابط المرور ، فإذا طلب منك أن تدفع له المال ، في مقابل التغاضي عن تلك المخالفة ، فهذا هو الابتزاز ، ولكن إذا قمت أنت بالمبادرة ، وعرضت عليه مال ، لكي يغض الطرف عن المخالفة ، فهذه هي الرشوة .
وإجمالاً ، فإن التمييز القانوني بين الرشوة والابتزاز قد لا يكون مباشراً ، ولذلك قد يتركز الجدل حول التمييز بين الرشوة والابتزاز ، على الابتزاز ، وخاصة الابتزاز عن طرق الاستخدام غير المشروع للسلطة ، ويمكن تعريفه على الوجه الآتي “ الاستيلاء غير المشروع من قبل موظف عام على مال أو ممتلكات لا تعود له أو إلى وظيفته ، سواء تم أو لم يتم الاستيلاء بالقوة أو التهديد أو استخدام الخوف. وبعبارة أخرى ، فإن الاستخدام غير المشروع للسلطة الرسمية قد يحول العمل القانوني إلى ابتزاز غير قانوني . لذا ، إذا أساء مسؤول رسمي استخدام منصبه بالتهديد باتخاذ أو احتجاز أي إجراء رسمي لغرض غير مشروع ، هو إجبار الضحية على دفع أموال أو تقديم خدمات ، فإن مثل هذا التهديد سيشكل ابتزازًا على الرغم من أن المسؤول كان بالفعل ملزمًا باتخاذ إجراء ضده أو حجبه عن السؤال . “
فذلك هو الابتزاز القسري من قِبل موظف عام للمواطنين مقابل خدمات عامة من المفترض أنها واجب على الموظف تقديمها له ، دون مقابل مادي ، وفي هذه الحالة يقوم بعض الموظفين ، استغلال حاجة المواطن الماسة لتلك الخدمات ، ومن ثم يقوم بابتزازه في مقابل تقديمها له .
لذا فإن الخط الفاصل بين الرشوة والابتزاز قد لا يكون واضحاً في هذه الحالة ، فماذا يعني أن يطلب موظف في جهة حكومية ملتزمة بخدمة المواطنين ، من مواطن بالكاد ، يستطيع قضاء حوائج يومه ، وينتظر تلك الخدمة المجانية ، التي تساعده في تسهيل أموره ، مبلغ من المال مقابل تسهيلها ، ألا يعني هذا ابتزاز ؟ .
ولكن وجود صفة الموظف العام ، هي التي أبرزت هذا الالتباس بين المفهومين .
ولكن من الممكن أن نعتبر طلب الرشوة ، ابتزاز ، خاصة إذا كان الموظف مكلف بأداء تلك الخدمات دون مقابل ، أما عرضها فهو رشوة ، في الحالة الأولى يكون المواطن ضحية للحاجة ، وفي الحالة الثانية ، يكون الراشي مجرم .
وبهذا نكون قد حاولنا توضيح الفرق بين الرشوة والابتزاز ، ومتى تصبح الرشوة ابتزازاً ؟
وأخيراً ، في حالة ابتزازك من موظف ، عليك الإبلاغ عنه فوراً ، وعدم الخضوع لابتزازه ، فلا يجوز لأحد استنزافك أو ابتزازك ، من أجل الحصول على شئ ، هو في النهاية حقك .
اتصل بنا الان > مكافحة الابتزاز