هل يوجد لجرائم الابتزاز الإلكتروني أصل شرعاً ؟
يتساءل الكثير هل يوجد أصل لجرائم الابتزاز في الفقه الإسلامي ؟! ، فجرائم الابتزاز الالكتروني جرائم مستحدثة في مجتمعنا ، بدخول ثورة الانترنت ، لذا قد يظن البعض أنه لا وجود لها في الشرع ، ولكن في الحقيقة ، ربما التشريعات والقوانين الوضعية ، قد أغفلت وجود مثل هذه الجرائم ، ولم تتوقعها ، أو تضع لها تشريعات إلا حديثاً ، بينما ديننا الحنيف قد ناقش جميع أمورنا ، ونهانا عن مثل هذه الجرائم ، فديننا حياة ، وقد قال الله في كتابه العزيز ” ولا تجسسوا ” ، حيث نهانا الله عن التجسس على الآخر ، أو تتبع أخباره ، فهذا لا يجوز في الاسلام ، حتى ولو كان من أجل المصلحة ، وهنا نجد حرص الاسلام على احترام الخصوصية ، وتحريم أي انتهاك لها ، حتى لو كان من أجل مصلحة .
وفي خطبة للرسول صلّى الله عليه وسلم ، فقد قال “يا معشرَ المسلمين من أسلم بِلِسانه ولم يُفضِ الإيمانُ إلى قلبه، لا تُؤذوا المسلمين، ولا تعيِّروهم، ولا تتَّبعوا عَوراتهم؛ فإنّه من تتبَّع عَورةَ أخيه المسلِم تتبَّع الله عَورتَه، ومن تتبَّع الله عَورَته يَفضَحه ولو في جوفِ رحلِه “
وهنا نهي واضح عن تتبع عورات الناس ، وتصيّد أخطائهم ، ومن ثمّ ابتزازهم ، فقد أصبح حال عالمنا العربي اليوم لا يرثى له ، من كثرة ما انتهكت خصوصيات ، واحترقت أرواح ، خوفاً من الفضيحة ، فهذه الجريمة البشعة ، قد هدمت الكثير من البيوت ، ودمرت الكثير من الفتيات ، وبرغم تعدد صور الابتزاز ، وكثرة ضحاياه إلا أن كيفية التعامل معها و طرق مواجهتها ، لازالت فيها خوف وتراجع شديدين ، مما أدى إلى استفحال هذه الجريمة أكثر .
وعلى الرغم من نهي ديننا الحنيف عن تهديد أو ابتزاز أي شخص أو ايذاءه بأي صورة كانت ،لأن الأصل هو أن تكون في مأمن على حياتك ومالك وعرضك ، وإلا فما هو الأمان ؟! ، وقد دعانا الدين وحثنا على الغيرة على العرض والمال ، وانها من أصل الدين .
ومن حفظ وفهم قول ربه (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) [الأحزاب 58] ، كيف له أن يفعل مثل هذه الجريمة ، خاصة إذا كانت موجهة لامرأة ، من المفترض أن يكون غيور عليها ، يحميها ، ويصونها .
وكما ذكر في الصحيح ” َلَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ “ .
فلا يجوز أبداً أن تستغل غفلة لامرأة أو فتاة ثم نقوم بتهديدهم وابتزازهم من أجل مال أو علاقة جنسية غير شرعية .
وكما نعلم أن أغلب من يتعرض لمثل هذه الجريمة ، هم النساء ، لذا عليكي ألا تثقي بأحد يستغل عاطفتك ، أو سذاجتك ويطلب منك ِ ، ارسال صورة أو فيديو لكِ ، في وضع قد يسبب لك ِ إحراج ، ولا تستطيعي تفاديه فيما بعد ، فاحرصي كل الحرص على نفسك وعرضك لأنه أمانة من الله لك ، وقد وصاكِ الله بذلك في كتابه العزيز حيث قال في صورة النور ” قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا …. “ وهذا أمر صريح للفتاة بحفظ النفس ، عن كل ما يؤذيها ، فثقي دائما ً بأن الله قد اختار لك الأفضل دائماً .
وإلى هؤلاء الذين قد اتخذوا من الابتزاز مهنة يُرزقون منها ، لا راحة في مال أتى من الخسة وقلة الشرف ، وإلى الأهل ، إن صون بناتكم وحمايتهم هو فرض عليكم ، وفي حديث رواه البخاري ومسلم عن معقل بن يسار سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول ( ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة ) .
تذكروا دائماً ما وصّاكم به نبيكم الحبيب ودينكم الحنيف ، وسيروا على الدرب ، سواء كنتم ضحايا أو جناه ، فإذا كنت جانياً ، تذكر دائماً أن ما تفعله فساد تشيعه في المجتمع ، وحكم هذا يكون في الدنيا والآخرة ، ولذلك فلتضع نصب عينيك قول الله تعالى ” إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ “ {النور:19}
في هذه الآية وعيد ، لكل من يشيع الفاحشة ، بأن عقابه سيكون أليم في الآخرة ، ولن يتركه يهنأ أبداً في الدنيا . فكف عن فعل هذه الفاحشة أو حتى تشارك فيها بأي صورة ، فنجد أن القانون يعاقب دائما المشارك في الجرم ، وأيضاً الشريعة الاسلامية نصت على عقاب لمن يشارك في أي جرم ، فكما نعلم إن الدال على الخير كفاعله ، والدال على الشر أيضاً ، وقد ذُكر في كتابه العزيز ” لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ “ {النحل:25}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا» رواه مسلم .
وبالنسبة للضحايا ، وخاصة من وقعوا في الفخ بأنفسم ، اعلموا أن الله أمركم بالتقوى ، فعودوا إلى رشدكم ، وصونوا أنفسكم ، من أي شر متربص بكم ، واحذروا المفاتن ، فطبيعي أن تواكبو العصر وتستفيدوا من وجود التكنولوجيا ، ولكن احذروا مساوئها ، وننصح الأهل دائما بمتابعة أبنائهم ، وعدم التساهل فيما حرمه الله ، والالتزام بالضوابط التي حددها كما في حالة الخلوة الشرعية ، كما في الصحيحين من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال
. ( لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم )
فاتبعوا ما أوصكم به رسولكم الحبيب ، كي لا تندموا ، فإن الندم لا يفيد .
اتصل بنا الان > مكافحة الابتزاز